آثار

موضوعات مختلف دینی به ویژه اعتبارسنجی احادیث و گزارش‌های تاریخی

آثار

موضوعات مختلف دینی به ویژه اعتبارسنجی احادیث و گزارش‌های تاریخی

آثار


بایگانی
آخرین نظرات

نقد تدریس حدیث «عنوان البصریّ»

چهارشنبه, ۳۰ شهریور ۱۴۰۱، ۰۹:۰۳ ق.ظ

بقلم: ابراهیم جواد 

فی حدیثٍ سابقٍ حول أداء بعض خطباء المنبر انتقدت اهتمام بعض الوعّاظ المتأثرین بالمشرب العِرفانیّ بجملةٍ من الأحادیث الضعیفة أو الموضوعة وإهمال ما هو واردٌ فی الکتب المعتبرة الموثوقة وبعضها واردٌ من طرق صحیحة کما هو الحال بالنسبة لصحیفة الزهد لسیّد الساجدین (علیه السّلام)، وغیرها من النصوص الموثوقة الواردة فی الکتب المعتبرة التی تمثّل هویّة التراث الشیعیّ. وکان لبّ السؤال: ألا یعدّ الترکیز على النصوص الواردة فی کتب متأخرة ناقلة عن المتصوّفة والعامّة وإهمال النصوص القدیمة الموثوقة المرویة فی الکتب المعتبرة اختلالاً فی ترتیب الأولویات ومنهج التبلیغ الدینیّ لمذهب أهل البیت (علیهم السّلام)؟!
وأما بالنسبة لحدیث عنوان البصری الذی ذکرته مثالاً فهو -على أحسن تقدیر- فی غایة الضّعف والوَهْن إنْ لم نقل بأنّه من موضوعات الصوفیّة.
وهذا الحدیث من الأحادیث التی نالت اهتماماً کبیراً بالشّرح والتداول فی الوقت الحاضر ولا سیّما فی الأوساط المعتنیة بالمشرب العرفانیّ، وأقدم مصدرٍ لهذا الحدیث هو کتاب «مشکاة الأنوار فی غرر الأخبار» للشیخ علیّ بن الحسن الطبرسیّ، وهذا لفظ روایته: (عن عنوان البصریّ - وکان شیخاً کبیراً قد أتى علیه أربع وتسعون سنة- قال: کنتُ أختلف إلى مالک بن أنس سنین، فلمّا حضر جعفر الصادق علیه السلام المدینة اختلفتُ إلیه وأحببتُ أنْ آخذَ عنه کما أخذت من مالک، فقال لی یوماً: إنِّی رجلٌ مطلوبٌ، ومع ذلک لی أوراد فی کل ساعةٍ من آناء اللیل والنهار فلا تشغلنی عن وِرْدی، فخُذْ عن مالک واختلف إلیه کما کنت تختلف إلیه. فاغتممتُ من ذلک وخرجتُ من عنده، وقلت فی نفسی: لو تفرَّس فِیَّ خیراً لما زجرنی عن الاختلاف إلیه والأخذ عنه. فدخلتُ مسجد الرسول -صلى الله علیه وآله- وسلَّمْتُ علیه، ثم رجعت من القبر إلى الرّوضة وصلَّیْتُ فیها رکعتین وقلتُ: أسألک یا الله یا الله أن تعطف علیّ قلب جعفر، وترزقنی من علمه ما أهتدی به إلى صراطک المستقیم. ورجعتُ إلى داری مُغتمّاً حزیناً، ولم أختلف إلى مالک بن أنس لما أُشرب قلبی من حبِّ جعفر، فما خرجت من داری إلا إلى الصلاة المکتوبة حتى عیل صبری، فلمَّا ضاق صدری تنعَّلْتُ وتردیتُ وقصدتُ جعفراً - وکان بعد ما صلَّیْتُ العصر- فلمَّا حضرت باب داره استأذنتُ علیه، فخرج خادم له فقال: ما حاجتک؟ فقلت: السَّلام على الشَّریف. فقال: هو قائمٌ فی مصلّاه. فجلستُ بحِذاء بابه، فما لبثتُ إلّا یسیراً إذ خرج خادم له قال: ادخل على برکة الله. فدخلتُ وسلَّمْتُ علیه فردَّ علیَّ السَّلام وقال: اجلس غفر الله لک. فجلستُ فأطرق ملیّاً ثمّ رفع رأسه، وقال: أبو من؟ قلت: أبو عبد الله. قال: ثبَّتَ اللهُ کنیتک ووفَّقکَ لمرضاته یا أبا عبد الله، ما مسألتک؟ قلت فی نفسی: لو لم یکن لی من زیارته والتسلیم علیه غیر هذا الدعاء لکان کثیراً. ثم أطرق ملیّاً ثم رفع رأسه فقال: یا أبا عبد الله، ما حاجتک؟ قلت: سألتُ الله أن یعطف قلبک علیَّ ویرزقنی من علمک، وأرجو أن الله تعالى أجابنی فی الشَّریف ما سألته. فقال: یا أبا عبد الله، لیس العلم بالتعلّم، إنّما هو نور یقع فی قلب من یرید الله تبارک وتعالى أن یهدیه، فإن أردتَ العلم فاطلب أوّلاً من نفسک حقیقة العبودیة، واطلب العلم باستعماله واستفهم الله یفهمک. قلت: یا شریف. فقال: قل یا أبا عبد الله. قلت: یا أبا عبد الله، ما حقیقة العبودیة؟ قال: ثلاثة أشیاء: أن لا یرى العبد لنفسه فیما خوّله الله إلیه مُلکاً؛ لأن العبید لا یکون لهم ملک، یرون المال مال الله یضعونه حیث أمرهم اللهُ تعالى به، ولا یدبِّر العبد لنفسه تدبیراً، وجملة اشتغاله فیما أمره الله تعالى به ونهاه عنه، فإذا لم یرَ العبدُ لنفسه فیما خوَّله اللهُ تعالى مُلکاً هان علیه الإنفاق فیما أمره الله تعالى أن ینفق فیه، وإذا فوَّض العبدُ تدبیر نفسه على مُدَبِّره هَانَ علیه مصائب الدنیا، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه لا یتفرّغ منها إلى المراء والمباهاة مع الناس، فإذا أکرم الله العبد بهذه الثلاث هان علیه الدنیا وإبلیس والخلق، ولا یطلب الدنیا تکاثراً وتفاخراً، ولا یطلب عند الناس عِزّاً وعُلوّاً، ولا یدع أیامه باطلاً، فهذا أوّل درجة المُتّقین، قال الله تعالى: (تلک الدار الآخرة نجعلها للذین لا یریدون علواً فی الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقین).
قلت: یا أبا عبد الله أوصنی. فقال: أوصیک بتسعة أشیاء، فإنّها وصیتی لمریدی الطریق إلى الله عزَّ وجلَّ، واللهَ أسألُ أن یوفِّقک لاستعماله: ثلاثة منها فی ریاضة النفس، وثلاثة منها فی الحِلْم، وثلاثة منها فی العلم، فاحفظها وإیّاک والتّهاون بها. قال عنوان: ففرَّغتُ قلبی له. فقال: أما اللّواتی فی الریاضة: فإیّاک أن تأکل ما لا تشتهیه؛ فإنّه یورث الحماقة والبُله، ولا تأکل إلا عند الجوع، وإذا أکلت فکُلْ حلالاً وسَمِّ الله، واذکر حدیث الرسول (صلى الله علیه وآله): "ما ملأ آدمیٌّ وعاءً شرّاً من بطنه، فإن کان لا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"، أمَّا اللواتی فی الحِلْم: فمن قال لک: إن قلت واحدة سمعت عشراً، فقل: إن قلتَ عشراً لم تسمع واحدة. ومن شتمک فقل: إنْ کنتَ صادقاً فیما تقول فاللهَ أسألُ أن یغفرها لی، وإن کنتَ کاذباً فیما تقول فاللهَ أسألُ أن یغفرها لک، ومن وعدک بالجفاء فعده بالنّصیحة والّدعاء. وأما اللّواتی فی العلم: فاسأل العلماء ما جهلت، وإیّاک أن تسألهم تعنُّتاً وتجربةً، وإیَّاک أن تعمل برأیک شیئاً، وخُذْ بالاحتیاط فی جمیع ما تجد إلیه سبیلاً، واهرب من الفتیا هربک من الأسد ولا تجعل رقبتک للناس جسراً، قم عنی یا أبا عبد الله فقد نصحتُ لک، ولا تفسد علیَّ وِرْدی؛ فإنِّی امرؤ ضنینٌ بنفسی، والسلام)(1).
ونقله العلّامة المجلسیّ فی بحاره عن خطِّ الشیخ البهائیّ، عن خطّ الشهید الأوّل، عن خطّ الشیخ أحمد الفراهانیّ مرسلاً عن عنوان البصریّ(2).
هذا فیما یتعلّق بروایة الحدیث، وأمّا بالنسبة إلى اعتباره، فالظّاهر أنّه یصعب تحصیل الوثوق بصدوره عن الإمام الصّادق (علیه السّلام)، لعدّة جهاتٍ تورث بمجموعها الاطمئنان بعدم صدوره:
الجهة الأولى: أنّ الحدیث مرسل، ولا نعرف له أصلاً معتبراً؛ حتّى أنّ الشیخ الطبرسیّ لم یحدّد الکتاب الذی نقل منه هذه القصّة.
الجهة الثانیة: جهالة الشیخ أحمد الفراهانیّ الذی نقل الشهید الأوّل عن خطّه، وقد بحثتُ عن ترجمته عند الخاصّة والعامّة فلم أعرفه، وجهالة الوسائط بین الفراهانی وعنوان البصریّ.
الجهة الثالثة: إهمال شخصیّة عنوان البصریّ، إذ لم نقف على ذکره فی کتب الرّجال والتراجم والتاریخ، وقد ادُّعی فی صدر الحدیث أنّ عمره 94 عاماً، وأنّه کان یختلف إلى الفقیه العامیّ مالک بن أنس لسنین، ومع ذلک فهو غیر مذکورٍ فی أیّ من کتب الحدیث والرجال والفقه.
الجهة الرّابعة: وجود عباراتٍ غیر منسجمة مع لغة القرن الثانی الهجریّ، ومنها:
[1] وصف الإمام الصّادق (علیه السّلام) بـ«الشّریف» فی أکثر من موضع، منها قوله: (فخرج خادم له فقال: ما حاجتک؟ فقلت: السّلام على الشریف)، وقوله فی موضع آخر مخاطباً الصّادق (علیه السّلام): (ثم قال: ما مسألتک؟ فقلت: سألتُ الله أن یعطف قلبک علیَّ ویرزقنی من علمک، وأرجو أن الله تعالى أجابنی فی الشّریف ما سألته)، وقوله فی موضع آخر: (قلت: یا شریف. فقال: قل یا أبا عبد الله. قلت: یا أبا عبد الله، ما حقیقة العبودیة؟).
والإشکال فی ذلک: أنّ إطلاق لقب «الشریف» على الهاشمیّ لم یُعرَف إلّا فی أواسط القرن الثالث الهجریّ تقریباً، ولم یُعهد استعماله فی القرنین الأوّلین. نعم؛ کان مستعملاً على نحو الوصف لا اللقب، حیث کان یُنعت به أجلّاء القبائل العربیة فیقال فی الوصف: (کان شریفاً فی قومه)، ولم یکن لقباً خاصّاً بفئة معیّنة فی صدر الإسلام إلى أواسط القرن الثالث الهجریّ.
[2] ما نُسب إلى الإمام الصّادق (علیه السلام) مخاطباً «عنوان البصریّ»: (أوصیک بتسعة أشیاء فإنها وصیّتی لمریدی الطریق إلى الله تعالى)، وهذا التعبیر أعنی «مریدی الطریق» تعبیر صوفیٌّ درج علیه متأخِّرو المتصوّفة بکثرة، ولا یُعرَفُ له أثرٌ فی أخبار الشیّعة وکتبهم المعتبرة.
وقد نقل السیّد محسن الأمین عن السیّد محمد بن محمّد بن الحسن الحسینیّ العاملیّ العیناثیّ أنّه قال فی کتابه (الاثنا عشریّة فی المواعظ العددیّة) أنّ هذا الحدیث من روایات أهل السنّة(3)، وهو کذلک على الظّاهر، حتى أنّ الحدیث المنسوب إلى النبیّ (صلى الله علیه وآله) فی طیّات حدیث عنوان البصریّ: (ما ملأ آدمیّ وعاءً شرّاً من بطنه) من الأحادیث المرویّة فی العدید من المصادر المتقدّمة عند أهل الحدیث، ولیس له ذِکرٌ فی کتب الإمامیة المعتبرة.
والحاصل مما تقدّم: أنّ الحدیث یعانی من علل تؤیّد استبعاد صدوره، والمظنون بقوّة أنّه من أحادیث المتصوّفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مشکاة الأنوار فی غرر الأخبار، ص562-565، رقم الحدیث 1913.
(2) بحار الأنوار، ج1، ص224-226.
(3) أعیان الشیعة، ج1، ص675.

 

منبع: کانال تلگرامی تراث الامامیة https://t.me/hadithshia/252

 

نظرات  (۰)

هیچ نظری هنوز ثبت نشده است
ارسال نظر آزاد است، اما اگر قبلا در بیان ثبت نام کرده اید می توانید ابتدا وارد شوید.
شما میتوانید از این تگهای html استفاده کنید:
<b> یا <strong>، <em> یا <i>، <u>، <strike> یا <s>، <sup>، <sub>، <blockquote>، <code>، <pre>، <hr>، <br>، <p>، <a href="" title="">، <span style="">، <div align="">
تجدید کد امنیتی